يطرح جان-لوب سامان، الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي، قراءة معمّقة للتحولات التي تضغط على النفوذ الهندي في الخليج، خصوصًا بعد التطورات الأخيرة التي أعادت صياغة توازنات الأمن الإقليمي.

 

ينشر موقع أتلانتيك كاونسل هذا التحليل ضمن سلسلة تقدّم رؤية أوسع حول التفاعلات بين آسيا والخليج، وتأثير التحركات الأمنية والسياسية على الدول الصاعدة مثل الهند.

 

تداعيات ضربات قطر واتفاق الرياض–إسلام آباد

 

أعادت الضربات الإسرائيلية على قطر إشعال التوتر في الخليج، وبعد ثمانية أيام فقط أعلن السعوديون توقيع اتفاق دفاعي جديد مع باكستان. يشرح سامان أنّ معظم النقاش الأمريكي ركّز على الرسالة التي توجهها الرياض لواشنطن بشأن تراجع الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية، لكن هذا التركيز أغفل البُعد الأكثر حساسية: الخسارة الهندية.

 

يُبرز التحليل أنّ الاتفاق الجديد يمنح باكستان مساحة إضافية للمناورة داخل الخليج، رغم أنّ مستوى التزامها الأمني لا يقترب من المساهمة الأمريكية. ورغم قراءات واشنطن التي اعتبرت الاتفاق مجرد إشارة سياسية، يرى سامان أنّ الأثر الأكبر يطال مصالح الهند، التي كانت تراهن على توسيع نفوذها في الخليج مقابل تراجع دور باكستان.

 

يرتبط البلدان—السعودية وباكستان—بعقود طويلة من التعاون الأمني ووجود عسكري باكستاني داخل المملكة، وبتاريخ من التنسيق الاستخباراتي مع واشنطن خلال الحرب الأفغانية. كما يُعتقد أنّ الدعم المالي السعودي ساعد في تطوير البرنامج النووي الباكستاني. كل هذا رسّخ حضورًا باكستانيًا يصعب تجاوزه، وتاريخيًا أعاق قدرة الهند على بناء حضور استراتيجي واسع في المنطقة.

 

تراجع الزخم الهندي وصعود الصين في الخليج

 

يذكر التحليل أنّ الهند تعتمد في حضورها الخليجي على ثقل الجاليات: نحو 9.7 ملايين هندي يعيشون في دول مجلس التعاون، ويحوّلون مليارات الدولارات سنويًا إلى الداخل الهندي. لكن حكومة ناريندرا مودي حاولت تحويل هذا الوجود إلى نفوذ سياسي واقتصادي، عبر زيارات رفيعة المستوى، واتفاقيات تجارية مثل الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الإمارات في 2022، وتوسيع التعاون الأمني.

 

ورغم هذا التقدم، تعطّلت استثمارات خليجية ضخمة داخل الهند بسبب البيروقراطية، ما زرع الشكوك حول قدرة نيودلهي على لعب دور قوة كبرى. وبينما اهتزّت علاقات الخليج مع باكستان بعد رفضها المشاركة في حرب اليمن عام 2015، استغلّت الصين اللحظة وتوغلت في المساحات التي تركتها الهند.

 

يشير سامان إلى أنّ السعودية والإمارات وقطر اتجهن نحو الصين في المجالات الأمنية الأكثر حساسية، من شراء الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى مناقشة قواعد بحرية محتملة للصين في موانئ الخليج. هذا الانخراط يُربك حسابات الهند بشدة، خاصة وأن وجود البحرية الصينية في عمان—على بعد ما يزيد عن ألفي كيلومتر من السواحل الهندية—يمثّل تهديدًا مباشرًا لمصالح نيودلهي في المحيط الهندي.

 

يضيف التحليل أنّ مسؤولي الخليج لا يضعون الهند في مرتبة القوى العالمية المؤثرة مثل واشنطن وبكين. تُعامَل الهند كقوة آسيوية مهمة، لكنها ليست فاعلًا قادرًا على موازنة النفوذ الصيني أو التأثير في الأمن الإقليمي بعمق.

 

غياب استراتيجية هندية واضحة وارتباك في سياسات المنطقة

 

يُرجع سامان تراجع النفوذ الهندي إلى غياب استراتيجية إقليمية واضحة تجاه الشرق الأوسط. تمتلك الصين خطة اقتصادية–سياسية متكاملة، وتمتلك الولايات المتحدة رؤية واضحة لأمن المنطقة، بينما تكتفي الهند بمجموعة علاقات ثنائية غير متناسقة.

 

يحافظ الهنود على علاقات قوية مع الإمارات وإسرائيل، لكن علاقاتهم مع السعودية وإيران تظل محدودة وغير مستقرة. ويعتبر التحليل أنّ هذا “التشتت الاستراتيجي” يخدم الهند مؤقتًا لأنه يمنحها مساحة للمناورة، لكنه في الوقت نفسه يعطّل قدرتها على بناء نفوذ إقليمي حقيقي.

 

يُقدّم سامان مثالًا على التناقضات الهندية: الهند تشتري السلاح من إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تشتري النفط من إيران. وتدعم إسرائيل في حرب غزة، لكنها ترفع مساهمتها في تمويل وكالة الأونروا. هذه الازدواجية تُسهل على الخليج اتباع سياسة “الانفتاح على الجميع”—بما في ذلك الصين وباكستان—دون اكتراث كبير بردّ فعل نيودلهي.

 

يضيف الكاتب أنّ هذا الانفتاح الخليجي يضر الهند ويقيّد قدرتها على المشاركة في المبادرات الأمريكية التي حاولت إدماجها في الشرق الأوسط، مثل تجمع I2U2 أو ممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا. وكلما زاد ارتباط الخليج بالصين وباكستان، تقلّص الدور الهندي في تلك المبادرات.

 

هامش الحركة الهندي.. هل يتسع أم ينكمش؟

 

يكشف التحليل أنّ الهند بدأت تظهر درجة أكبر من الحساسية بعد الاتفاق السعودي–الباكستاني؛ إذ أشار المتحدث باسم الخارجية الهندية إلى “اعتبارات حساسة” ينبغي مراعاتها. لم يكن التصريح طويلًا، لكنه يُظهر أن سياسة “الاصطفاف مع الجميع” بدأت تواجه حدودها.

 

ويرجّح سامان أنّ نيودلهي قد تواجه لحظة مشابهة مع الصين، عندما تبدأ دول الخليج بتعميق التعاون الأمني مع بكين. في تلك اللحظة، ستُضطر الهند إلى تحديد موقعها: قوة عالمية تسعى إلى دور استراتيجي أم دولة تفضّل العلاقات البراجماتية المشتتة؟

 

يخلص التحليل إلى أنّ الهند لا تفقد نفوذها في الخليج بسبب التحركات السعودية أو الباكستانية فقط، بل بسبب غياب رؤية هندية واضحة وقادرة على مواجهة التوسع الصيني. تتعامل دول الخليج مع الهند كقوة آسيوية مهمة في التجارة والعمل والاستثمار، لكنها لا تراها لاعبًا قادرًا على موازنة القوى الكبرى.

 

وحتى تستعيد الهند زخمها، تحتاج إلى استراتيجية صريحة تكسر نمط العلاقات الثنائية المتفرقة، وتمنحها وزنًا أكبر في حسابات الأمن الإقليمي. بدون ذلك، سيستمر الخليج في اعتبار الصين وواشنطن اللاعبين الحقيقيين، بينما تبقى الهند على الهامش، مهما ارتفع دورها الاقتصادي.

 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/is-india-losing-clout-in-the-gulf/